Tuesday, January 11, 2011

شرح حديث (أن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير....) من رياض الصالحين للعثيمين رحمه الله

عن خولة بنت عامرٍ الأنصارية ، وهي امرأة حمزة- رضي الله عنهما- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة" رواه البخاري" [351].
الشرح

قال المؤلف - رحمه الله - فيما نقله عن خولة زوجة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسمل قال:" إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة" هذا أيضاً مما يدل على تحريم الظلم في الأموال الذي خو خلاف العدل. وفي قوله: " يتخوضون" دليلٌ على أنهم يتصرفون تصرفاً طائشاً غير مبني على أصول شرعية، فيفسدون الأموال ببذلها فيما يضر، مثل من يبذل أمواله في الدخان، أو في المخدرات، أو ف شرب الخمور، أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضاً يتخوضون فيها بالسرقات ، والغصب ، وما أشبه ذلك، وكذلك يتخوضون فيها بالدعاوى بالباطلة، كأن يدّعي ما ليس له وهو كاذب، وما أشبه ذلك. فالمهم أن كل من يتصرف تصرفاً غير شرعي في المال- سواء ماله أو مال غيره- فإن له النار -والعياذ بالله- يوم القيامة إلا أن يتوب، فيرد المظالم إلى أهلها ، ويتوب مما يبذل ماله فيه من الحرام؛ كالدخان والخمر وما أشبه ذلك، فإنه ممن تاب الله عليه ، لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (الزمر:53-59). وفي هذا الحديث تحذير من بذل المال في غير ما ينفع والتخوض فيه ؛ لأن المال جعله الله قياماً للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فإذا بذله في غير مصلحة كان من المتخوضين في مال الله بغير حق.

صور من أكل الحرام

الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا بأن أكل الحرام، أمر عظيم عند الله - عز وجل -، وله آثار عظيمة، وقد تساهل الناس كثيراً هذه الأيام، في الأكل والأخذ والجمع، ولا يهمهم حلال أم حرام إلا من رحم الله.
كيف يتجرأ المؤمن على أكل الحرام، وقد أغناه الله بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
[(172) سورة البقرة]، ويقول - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [(29) سورة النساء]، وقال سبحانه: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [(100) سورة المائدة]؛ فالحرام خبيث وإن كان كثيراً، وإن بدى لك أنه حسن وطيب، فهو سيئ خبيث.
عباد الله: إن أكل الحرام له من الآثار السيئة على آكله ما الله به عليم، فعلى سبيل المثال:
إن الذي يأكل الحرام لا يستجاب له دعاء، وهل يستغنى العبد عن ربه طرفة عين، أبداً، روى الحافظ ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنه -ما قال: تُليت هذه الآية عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}
[(168) سورة البقرة]، فقام سعد بن أبي وقاص، فقال يا رسول الله، أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: يا سعد: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)). وذكر - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه مسلم في صحيحه: ((أن الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذيّ بالحرام فأنى يستجاب لذلك)).
كيف يكون حال رجل لا يرفع له دعاء، ولا يستجاب له طلب، بسبب أكله للحرام، وما ندري لعل ما أصاب كثيراً من الناس اليوم، من الوقوع في المحرمات وإضاعة الصلوات، والتكاسل عن الطاعات، سببه المآكل المحرمة، ولعل ما أصيب به الناس في هذه الأزمات من الأمراض، وما ينزل بهم من كوارث، كل هذا من أسبابه أكل الحرام -والعياذ بالله-.
ومما يصاب به أكل الحرام، أنه يقع تحت الوعيد بنار جهنم، روى البخاري في صحيحه، عن خولة الأنصارية - رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)).

أكل الحرام يفسد القلب ويمنع الإجابة

مما لا شك فيه أن هناك علاقة وثيقة بين صلاح القلب وفساده، وبين طعام العبد وكسبه، فإن الكسب إذا كان حرامًا وتجرأ العبد على أكل الحرام، فإن القلب يفسد بهذا، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات". عقب بقوله: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". [البخاري ومسلم].
فالقلب بمثابة الملك، والأعضاء رعيته، وهي تصلح بصلاح الملك، وتفسد بفساده.
قال المناوي: "وأوقع هذا عقب قوله: "الحلال بيِّن" إشعارًا بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه، والشُّبَه تقسيه".
التحذير من أكل الحرام:
نهى الشرع المطهر أتباعه عن أكل الحرام، سواء كان هذا المأكول أموالاً وحقوقًا للناس، أو طعامًا حرم الله تناوله، وفي ذلك يقول الله عز وجل: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188].
وقد جاء في تفسيرها عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "هذا في الرجل يكون عليه مالٌ وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم، آكل حرام".
وقال قتادة رحمه الله :اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ، ولا يحق لك باطلا ، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطىء ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا.
 أكل أموال اليتامى ظلما
تتعدد صور أكل الحرام ومن أعظمها وأشدها أكل أموال اليتامى ظلما ، وقد حرم الله ذلك أشد التحريم فقال عز وجل: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا) [النساء:6].
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – في تفسيرها: "أي (ولا تأكلوها) في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من الأمور الواقعة من كثير من الأولياء الذين ليس عندهم خوف من الله ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم، يرون هذه الحال فرصة فيغتنمونها ويتعجلون ما حرم الله عليهم، فنهى الله عن هذه الحالة بخصوصها"اهـ.
ومما يشيب له الولدان الترهيب الشديد الذي أتى بعد ذلك لمن أكل مال اليتيم ظلمًا: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير لأمته، ودرأ الشر عنها فقد حذر من أكل الحرام ، ومنه أكل مال اليتيم: "اجتنبوا السبع الموبقات". وذكر منها: "أكل مال اليتيم". (البخاري ومسلم).
أكل الربا
ومن صور الحرام التي استهان كثير من الناس بها وتجرأوا عليها أكل الربا الذي حرمه الله ورسوله: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]. وقال ناهيًا عن أكل الربا ومحذرًا من عقوبته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278، 279].
فمن يطيق حرب الله تعالى؟!
ثم إن الله تعالى بيَّن في كتابه الكريم أن الربا مصيره إلى الدمار والهلاك: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276]. وأكل الربا عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات.
إن صور أكل الحرام كثيرة، منها: السرقة، والرشوة، والميسر، والغصب، والغش، والغلول، والغبن الفاحش في البيع والشراء.
وليس غرضنا في هذه العجالة الكلام عن كل واحدة منها بالتفصيل، إنما القصد التحذير من أكل الحرام في الجملة.
أكل الحرام والدعاء
إن لطيب المطعم أو خبثه أثرًا مباشرًا في قبول الدعاء، فإن كان العبد يتحرى أكل الحلال الطيب فإن دعاءه أقرب إلى القبول والإجابة، أما إن تجرأ على أكل الحرام فإنه يضع بذلك الحواجز والعوائق بين دعائه وبين الإجابة والقبول.
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51]. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 127]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟"[رواه مسلم].
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله – "والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة".
ويقول العلامة ابن رجب – رحمه الله -: "أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لعدم إجابة الدعاء".
نعم؛ إن مما لا شك فيه أن أكل الحرام يمنع من قبول الدعاء، بل قد يمنع من قبول العبادة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: "لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام".
ويقول ابن رجب – رحمه الله -: "فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟".
وقال وهب بن الورد: "لو قمتَ مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك حلال أو حرام".
إنه لحريٌّ بالعبد أن يوقن أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وأنه إن فاز بشيء حرام منها فإن هناك داراً أخرى سيوقف فيها للحساب، وليس هناك ثمة دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات، فليتق الله كلُّ واحد منا وليطب مطعمه.
وفقنا الله جميعًا للحلال الطيب، وجنبنا والمسلمين كل خبيث وحرام.

Wednesday, January 5, 2011

اقتناء كلب للحراسة

السؤال:
     هل يجوز حيازة كلب في حوش الفيلا للحراسة؟ رغم أن الفيلا في منطقة سكنية عامة؟ واذا كان نعم، فهل يجوز لمسه؟ وهل يجوز مصافحة هذا الرجل؟
المفتي:       يوسف بن عبد الله الشبيلي
الإجابة:
يجوز اقتناء الكلب لحراسة المنزل أو لحراسة الماشية أو الزرع أو للصيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من اتخذ كلباً إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط أو قيراطان" (متفق عليه)، ولا بأس بلمسه ومصافحة الرجل الذي يلمسه أو يقتنيه.

المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.
Source

Friday, December 10, 2010

يدخل العبد الجنة بسبب عمله

السلام عليكم
قال الشيخ العثيمين -رحمه الله- في شرح 40 نووية حديث 29:

أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا.

وهنا يقع إشكال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدِنِيَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ"[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1)[212] فكيف يُجمع بين هذا الحديث وبين النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله؟

أجاب العلماء - رحمهم الله، فقهاء الإسلام، أطباء القلوب والأبدان، ممن علمهم الله ذلك - فقالوا: الباء لها معنيان: تارة تكون للسببية، وتارة تكون للعوض.


فإذا قلت: بعت عليك هذا الكتاب بدرهم، فهذه للعوض.

وإذا قلت: أكرمتك بإكرامك إياي، فهذه للسببية.
فالمنفي هو باء العوض، والمثبت باء السببية.

فقالوا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ" أي على أن ذلك معاوضة، لأنه لوأراد الله عزّ وجل أن يعاوض العباد بأعمالهم وجزائهم لكانت نعمة واحدة تقضي على كل ما عمل، وأضرب مثلاً بنعمة النَّفَس، نعمة النفس هذه نعمة عظيمة لايعرف قدرهاإلا من ابتلي بضيق النفس، واسأل من ابتلوا بضيق النفس ماذا يعانون من هذا، والرجل الصحيح الذي ليس مصاباً بضيق النفس لايجد كلفة في التمتع بهذه النعمة، فتجده يتنفس وهو يتكلم، ويتنفس وهو يأكل ولايحس بشيء.

هذه النعمة لو عملت أي عمل من الأعمال لاتقابلها، لأن هذه نعمة مستمرة دائماً، بل نقول: إذا وفقت للعمل الصالح فهذا نعمة قد أضل الله عزّ وجل عنها أمماً، وإذا كان نعمة احتاج إلى شكر، وإذا شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر آخر، ولهذا قال الشاعر:

إذا كانَ شكري نعمةَ اللهِ نعمةً عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ

فكيفَ بلوغُ الشُّكرِ إِلاَّ بفضلهِ وإن طالت الأيام واتّصل العمرُ

__________________________



وقال في تفسير سورة الطور:


{بما كنتم تعملون } أي: بسبب ما كنتم تعملون، (فالباء) هنا للسببية، وليست الباء للعوض، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» () .


فإن قيل: إن الله تعالى قال: {كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون }، فجعل الله تعالى ذلك بسبب العمل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» مع أن الله يقول: {بما كنتم تعملون }؟


والجواب على هذا الإشكال أن يقال:

الباء تأتي للسببية، وتأتي للبدلية، فإذا قيل: دخل الرجل الجنة بعمله، فالمعنى السببية، وإذا قال: لن يدخل الجنة أحد بعمله، فالمعنى البدلية، وأضرب مثلاً يبين هذا: بعتك الثوب بدرهم، فالباء للبدلية، لأن الدرهم صار عوضاً عن الثوب، وإذا قلت: أدبت الولد بعبثه، هذه للسببية، إذن كلنا لن يدخل الجنة بعمله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو حاسبنا على عملنا ما قابل عملنا نعمة من نعم الله، نعمة واحدة. فالنفس الآن الذي هو من ضرورة الحياة يخرج منك ويدخل بدون تعب، وبدون مشقة، وكم يتنفس الإنسان في الدقيقة؟! فلو أننا حوسبنا على أعمالنا بالمعاوضة والمبادلة لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع العمل، ونحن الآن لا نحس بنعمة النفس لكن لو أصيب أحد منا بكتم النفس لوجد أن النفس من أكبر نعم الله، لذلك نقول: إن الباء في قوله: {بما كنتم تعملون } للسببية وليست للبدلية، وفي قوله: {بما كنتم تعملون } شمول لكل العمل: الجوارح، والقلب، واللسان. فالجوارح: كالأفعال، كالركوع، والسجود. والأقوال: كالأذكار. والقلوب: كالخوف، والرجاء، والتوكل وما أشبه ذلك، فكل هذه تسمى أعمالنا.

_________________________________



قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة:


و اعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس ، و يتوهم أنه مخالف لقوله تعالى : *( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )* و نحوها من الآيات و الأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل ، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب : أن الباء في قوله في الحديث : " بعمله " هي باء الثمنية ، و الباء في الآية باء السببية ، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة ، و لكنه ليس ثمنا

لدخول الجنة ، و ما فيها من النعيم المقيم و الدرجات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه : " ولهذا قال بعضهم : الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، و محو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل ، و الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ، و مجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب ، فإن المطر إذا نزل و بذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات ، بل لابد من ريح مربية بإذن الله ، و لابد من صرف الانتفاء عنه ، فلابد من تمام الشروط و زوال الموانع ، و كل ذلك بقضاء الله و قدره . و كذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج ، بل كم ممن أنزل و لم يولد له ، بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة و تربيه في الرحم و سائر ما يتم به خلقه من الشروط و زوال الموانع . و كذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة ، بل هي سبب ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فذكر الحديث ) ، و قد قال تعالى : *( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )* . فهذه باء السبب ، أي بسبب أعمالكم ، و الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة ، كما يقال : اشتريت هذا بهذا . أي ليس العمل عوضا و ثمنا كافيا في دخول الجنة ، بل لابد من عفو الله و فضله و رحمته ، فبعفوه يمحو السيئات ، و برحمته يأتي بالخيرات ، و بفضله يضاعف الدرجات.

و في هذا الموضع ضل طائفتان من الناس :


1 - فريق آمنوا بالقدر و ظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية و الأعمال الصالحة . و هؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله و رسله و دينه .

فإن الله لم يأمر
العباد بما أمرهم به حاجة إليه ، و لا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به ، و لكن أمرهم بما فيه صلاحهم ، و نهاهم عما فيه فسادهم . و هو سبحانه كما قال : " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني " . فالملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم ، و هم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم فيطالبون بجزاء ذلك ، و الله تعالى غني عن العالمين ، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ، و إن أساءوا فلها . لهم ما كسبوا ، و عليهم ما اكتسبوا ، *( من عمل
صالحا فلنفسه ، و من أساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد )* " . انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله منقولا من " مجموعة الفتاوى " ( 8 / 70 - 71 )
و مثله في " مفتاح دار السعادة " لتلميذه المحقق العلامة ابن قيم الجوزية ( ص 9 - 10 ) و " تجريد التوحيد المفيد " ( ص 36 - 43 ) للمقريزي .
 
2- 
و فريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر ، متكلين على حولهم وقوتهم و عملهم ، و كما يطلبه المماليك . و هؤلاء جهال ضلال : فإن الله لم يأمر

زوجة وأم
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم:

وفيه دليلٌ على أنَّ الأعمالَ سببٌ لدخول الجنَّة ، كما قال تعالى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ((2)) .

وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم - : (( لَنْ يدخُلَ أحدٌ منكُمُ الجنَّة بِعمَلِه )) ((3)) فالمراد - والله أعلم - أنَّ العملَ بنفسه لا يستحقُّ به أحدٌ الجنَّة لولا أنَّ الله جعله - بفضله ورحمته - سبباً لذلك ، والعملُ نفسُه من رحمة الله وفضله على عبده ، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ من فضل الله ورحمته .


أقوال أخرى


رأي ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:


وَيَظْهَر لِي فِي الْجَمْع بَيْن الْآيَة وَالْحَدِيث جَوَاب آخَر وَهُوَ أَنْ يُحْمَل الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْعَمَل مِنْ حَيْثُ هُوَ عَمَل لَا يَسْتَفِيد بِهِ الْعَامِل دُخُول الْجَنَّة مَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْر الْقَبُول إِلَى اللَّه تَعَالَى ، وَإِنَّمَا يَحْصُل بِرَحْمَةِ اللَّه لِمَنْ يَقْبَل مِنْهُ ، وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْله ( اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أَيْ تَعْمَلُونَهُ مِنْ الْعَمَل الْمَقْبُول ، وَلَا يَضُرّ بَعْد هَذَا أَنْ تَكُون الْبَاء لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ الْمُقَابَلَة ، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُون سَبَبِيَّة .

ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيّ جَزَمَ بِأَنَّ ظَاهِر الْآيَات أَنَّ دُخُول الْجَنَّة بِسَبَبِ الْأَعْمَال ، وَالْجَمْع بَيْنَهَا وَبَيْن الْحَدِيث أَنَّ التَّوْفِيق لِلْأَعْمَالِ وَالْهِدَايَة لِلْإِخْلَاصِ فِيهَا وَقَبُولهَا إِنَّمَا هُوَ بِرَحْمَةِ اللَّه وَفَضْله ، فَيَصِحّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل بِمُجَرَّدِ الْعَمَل ، وَهُوَ مُرَاد الْحَدِيث ، وَيَصِحّ أَنَّهُ دَخَلَ بِسَبَبِ الْعَمَل وَهُوَ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى .


ابن بطال رحمه الله في شرحه:


قيل: ليس كما توهمت، ومعنى الحديث غير معنى الآية، أخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الحديث أنه لا يستحق أحد دخول الجنة بعمله، وإنما يدخلها العباد برحمة الله، وأخبر الله تعالى فى الآية أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، ومعلوم أن درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم، فمعنى الآية فى ارتفاع الدرجات وانخفاضها والنعيم فيها، ومعنى الحديث فى الدخول فى الجنة والخلود فيها، فلا تعارض بين شىء من ذلك.

فإن قيل: فقد قال تعالى فى سورة النحل: {سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]، فأخبر أن دخول الجنة بالأعمال أيضًا.
فالجواب: أن قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] كلام مجمل يبينه الحديث، وتقديره ادخلوا منازل الجنة وبيوتها بما كنتم تعملون، فالآية مفتقرة إلى بيان الحديث.
وللجمع بين الحديث وبين الآيات وجه آخر هو أن يكون الحديث مفسرًا للآيات، ويكون تقديرها: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]، و{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 19]، و{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم؛ لأن فضله تعالى ورحمته لعباده فى اقتسام المنازل فى الجنة، كما هو فى دخول الجنة لا ينفك منه، حين ألهمهم إلى ما نالوا به ذلك، ولا يخلو شىء من مجازاة الله عباده من رحمته وتفضله، ألا ترى أنه تعالى جازى على الحسنة عشرًا، وجازى على السيئة واحدة، وأنه ابتدأ عباده بنعم لا تحصى، لم يتقدم لهم فيها سبب ولا فعل، منها أن خلقهم بشرًا سويا، ومنها نعمة الإسلام ونعمة العافية ونعمة تضمنه تعالى لأرزاق عباده، وأنه كتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه، إلى ما لا يهتدى إلى معرفته من ظاهر النعم وباطنها.

تفسير ابن كثير

ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا: { أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن أحدكم (4) لن يدخله عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل"